ليست أجمل أعمال يوسا لكنها تظل جميلة وممتعة إذا لم تقترن بإسمه، جدير بالذكر أنها ليست رواية بوليسية كما يوحي العنوان، نعم الجريمة حاضرة وهي محرك الأحد ليست أجمل أعمال يوسا لكنها تظل جميلة وممتعة إذا لم تقترن بإسمه، جدير بالذكر أنها ليست رواية بوليسية كما يوحي العنوان، نعم الجريمة حاضرة وهي محرك الأحداث لكن حل لغزها ليس الهدف الأهم، إنما عرض الشخصيات غريبة الأطوار والحوارات الممتعة والحس الساخر والفاحش ضد الفساد السياسي وغيرها من بهارات يوسا الروائية المميزة، مع قدر لا بأس به من الجنون الذي يبقى أثره حاضرًا بقوة بعد الانتهاء منها.. !!وأخص بالذكر جملة الملازم سيلفا الخالدة: يا لأبناء أعظم العاهرات. ...more
كتاب مأساوي صادم ومزلزل إلى أقصى حد، تحكي فيه الكاتبة والناشطة الحقوقية "إيف إنسلر" عن مأساة تعرضها للاغتصاب من قِبل والدها وهي طفلة في سن الخامسة، وم كتاب مأساوي صادم ومزلزل إلى أقصى حد، تحكي فيه الكاتبة والناشطة الحقوقية "إيف إنسلر" عن مأساة تعرضها للاغتصاب من قِبل والدها وهي طفلة في سن الخامسة، وما تلا تلك الكارثة من مآسي تسببت فيها نفسية مشوهة ومريضة في صورة أب متسلط ومتكبر بشكل يصعب تخيله، كان هو الآخر ضحية أب وأم مشوّهين دمّرا روحه منذ الصغر، فتحول إلى مسخ بشري يصدّر خيباته ومآسيه ومرضه النفسي وخواء روحه إلى تلك الطفلة مسلوبة الإرادة، تهتز أصابعي وأنا أكتب هذه السطور لمجرد تذكر بشاعة ما تعرضت له الكاتبة، وأتسائل كيف تحمّلت أن تكتب هذه الصفحات بهذه الجرأة والقوة والثبات؟.
إنه بالفعل كتاب "عبقريّ على نحوٍ مزلزل" كما وصفته التايمز؛ مزلزل بما فيه من وجع مكثف مكتوب بقلم روحٍ ناجية من حربٍ دمارها أبشع من أعتى الأسلحة، روح نجحت في إيقاف تسلسل متوارث من المآسي والأوجاع وخرجت من قاع الظلام إلى النور لتحكي وتتعافى وتنير طريقها وطريق مثيلاتها من ضحايا الاعتداء الجنسي. أما العبقرية هنا فتجسدت في فكرة ومعالجة الحكاية على هيئة جواب اعتذار من والدها الراحل، رسالة توسُّل واستحضار تسمح له من خلالها بالحديث معها كما كانت تتمنى أن يحدث، في محاولة لإمداده بالإرادة والكلمات ليعبر حدود الاعتذار ويتحدث بلغته، لكي تستطيع أن تنال حريتها على حد وصفها، فنجد الرسالة والحكاية كلها تدور على لسانه هو، تحكي من منظوره كيف كان مشوهًا ومُتسلطًا ومتكبرًا وشهوانيًا بل وضحية هو الآخر بشكلٍ ما، فخرج الكتاب بشكل عبقري بالفعل.
في العادة، تعنى الخمس نجوم أن الكتاب مذهل وممتع، لكن هنا، في هذا الكتاب وما شابهه من الحكايات والمآسي الحقيقية الخارجة عن التقييم والتي سطّرها أبطالها بدماء روحهم النازفة، فالخمس نجوم تعني شيئًا واحدًا: أنه كتاب واجب القراءة باعتبار القراءة هي الاعتذار الوحيد الذي تملكه كإنسانٍ سويّ تجاه هذه الروح الناجية والمُلهمة، والوسيلة التي ربما تنجح في لفت نظر إحدى الأرواح التائهة النازفة هنا أو هناك لعلّها تجد الشفاء وبريق الأمل بين صفحات هذا الكتاب.
عزيزتي "إيف"، عسى أن تتقبلي اعتذاري عن قُبح هذا العالم.
رواية عن معاناة النساء الأبدية ضد التمييز الجنسي في كل جوانب الحياة منذ الولادة فالطفولة فبالبلوغ فالزواج ثم الحمل والرضاعة وتربية الأبناء، بينما تمر رواية عن معاناة النساء الأبدية ضد التمييز الجنسي في كل جوانب الحياة منذ الولادة فالطفولة فبالبلوغ فالزواج ثم الحمل والرضاعة وتربية الأبناء، بينما تمر بكل هذه المراحل على المرأة أن تواجه المجتمع بحثًا عن فرصة لإثبات ذاتها، إثبات أحقيتها في فرص تعليم وعمل مثل الذكور، وإثبات قدرتها على المواكبة بين حياتها العملية والزوجية. هي رواية ربما لا تقدم جديدًا من ناحية القصة لكنها تعيد تسليط الضوء على معاناة النساء في المجمل، ورغم أن الأحداث في كوريا الجنوبية إلا أنك ستشعر أن لو كان المكان في مصر أو المغرب، أفريقيا أو أوروبا، فالفرق ليس بكبير والمأساة تظل واحدة، فالنساء هن النساء بقهرهن وآلامهن وأحلامهن الضائعة وصبرهن منقطع النظير على كل هذا أينما كُنّ. يعيب الرواية فقط من وجهة نظري عدم تسليط الضوء على المشاكل النفسية الفصامية التي عانت منها بطلة الحكاية في بداية الرواية، حيث بدأنا الرواية بلمحة عن البطلة التي تتقمص شخصيات نسائية مختلفة فيما يعرف بالفصام الوجداني، لتبدأ رحلتنا بعد ذلك مستكشفين قصة حياتها منذ الطفولة، ولكن جاء الربط بين البداية والنهاية مهلهلًا ومتعجلًا، وفوجئت بفصل أخير عن الطبيب النفسي الذي من المفترض أنه يعالج البطلة لم يكن له أي قيمة في حبكة الرواية وكأنه هامش زائد. في المجمل تجربة قصيرة ممتعة ومؤلمة في آن، بأسلوب سلس وترجمة ممتازة نجحت الكاتبة في دمجي مع عالمها الروائي بمهارة، وأكثر ما آلمني عجزي عن إيجاد حل لهذه المعاناة اللانهائية أمام عالم رأسمالي جاف ولاهث يطحن العمالة البشرية كلها في طاحونة الحياة العملية بلا رحمة، وكأنها دائرة بلا بداية ولا نهاية.
لم أتخيل أن يكون اللقاء الأول لي مع هذا القلم الروسي البديع بهذا الجمال، جمال مرعب، قدرة فائقة على الغوص داخل أعمال نفسٍ بشرية تحتضر وتتألم في أيامها لم أتخيل أن يكون اللقاء الأول لي مع هذا القلم الروسي البديع بهذا الجمال، جمال مرعب، قدرة فائقة على الغوص داخل أعمال نفسٍ بشرية تحتضر وتتألم في أيامها الأخيرة نجحت في بث الألم داخل ثنايا روحي. لطالما كان الاحتضار هو أكبر مخاوفي خصوصًا كوني طبيب أرى الموت يقتنص المرضى أمامي شبه يوميًا كلٌ في ميقات معلوم، لكن الاحتضار والموت البطئ أصعب بمراحل، أتسائل دائمًا كيف يشعر المحتضر؟ وفيم يفكر؟، هل يعي كذبنا ونحن نحاول طمأنته لنخفف عنه رغم فقداننا لأي أمل في الشفاء اللهم إلا بمعجزة؟، هل يتألم لتألم أحبائه؟، هل يراجع حساباته ويطلب الرضا والسماح ممن حوله أم يصب غضبه وحنقه على الدنيا كلها؟، والأصعب والأمرّ هو إحساس الطبيب بالعجز أمام هكذا مريض يحتضر لا تستطيع أن تفعل له أكثر من تخفيف الألم ومساعدته في الغياب عن الوعي لساعات هربًا من جحيم الوجع في أيامه الأخير؛ كابوس يهرب منه كل طبيب، ومع ذلك، مهما هربنا، يظل حقيقة راسخة من حقائق الكون تأبى أن تفارقنا.
أقول دائمًا أن كثرة التعرض للألم يعين المرء على تحمل آلام جديد بفضل نعمة الاعتياد، وأن هناك شعرة بين اعتياد الأمل الصحي اللازم لاستمرار الحياة وبين تبلّد المشاعر، ربما نجح تولستوي في مساعدتي على اعتياد هذا العجز والألم بهذه الرحلة القصيرة البديعة، لكنه تركني فريسة لسؤالٍ جديد سيطاردني لسنوات: تُرى كم سأتحمل من الألم ومن الفراق؟، وهل سأنجح في النجاة من فخ تبلد المشاعر مع كثرة ما أختبره من آلام؟
قطعة شوكولاتة ناعمة تذوب في فمك فتأسرك بحلاوتها، بسلاستها وجمال تفاصيلها وسردها العذب تنتهي بسرعة قبل أن تستوعب خفّتها، تاركةً أثرها واضحًا في روحك، خ قطعة شوكولاتة ناعمة تذوب في فمك فتأسرك بحلاوتها، بسلاستها وجمال تفاصيلها وسردها العذب تنتهي بسرعة قبل أن تستوعب خفّتها، تاركةً أثرها واضحًا في روحك، خالدًا في ذاكرتك. ...more
قرأتها خلال يومين خلال أوقات استراحتي أثناء عملي في المستشفى، آنستني بسلاسة سردها وواقعية قصتها، أسرتني بحزنها، وأرعبتني أكثر من فكرة الزواج وإنجاب أب قرأتها خلال يومين خلال أوقات استراحتي أثناء عملي في المستشفى، آنستني بسلاسة سردها وواقعية قصتها، أسرتني بحزنها، وأرعبتني أكثر من فكرة الزواج وإنجاب أبناء في هذا العالم الموحش، اكتفيت بتقييمها واستأنفت العمل كالمعتاد، فإذا بموقفين حدثا لي خلال اليومين التاليين جعلاني أقدّر هذه الرواية أكثر وأكثر، وزادا من ألمي وانبهاري من صدمتها وواقعيتها.
كرسي متحرك يجلس عليه رجل مُسن يبدو عليه الإعياء ويلتقط أنفاسه بصعوبة، للوهلة الأولى وأنا أنظر إليه من الطرف الآخر للممر المؤدّي إليه ظننته حالة حرجة من حالات فيروس كورونا اللعين، وقد كان، خطوتُ مسرعًا تجاهه، وصلتُ فإذا بالرجل يستنجد بي طالبًا مساعدته في التنفس، على الفور أعطيت أوامري للتمريض بوضعه على الأكسجين وتوصيله بشاشة قياس العلامات الحيوية، تُظهر الشاشة تركيز أكسجين مرعب، أقل من70%!، هذا الرجل يحتاج إلى تنفس صناعي فورًا وإلا فالموت قادم لا محالة، استدعيت نائب العناية تمهيدًا لحجزه بسرعة، طلبت من التمريض أن تبلغ الأهل بتجهيز الأوراق الشخصية اللازمة للحجز، لتفاجأني بالرد: لا يوجد أحد معه!، أرد: نعم!، المريض لوحده؟، فتجيبني بإشفاق: آه والله يا دكتور الأمن بيقول فيه تاكسي وقف قصاد البوابة والسواق طلب حد يساعده ينزل الحالة وبعد ما ساعدناه وجبنا الحالة بالكرسي على أساس الأهل جايين ورانا بنبص لقينا التاكسي مشي ومفيش حد، مش معاه غير الكيس ده!. أتناول منها الكيس وأفتحه لأجد بداخله بطاقة الرقم القومي وبطاقة التأمين اللازمتين لإتمام إجراءات الحجز!.
في اليوم ذاته قرب منتصف الليل، جائني صبي عمره قرابة السبع سنوات يصرخ متألمًا من ذراعه وقدمه، وحيدًا أيضًا، ظننته قد سقط وأن به كسرًا ما، اقتربت منه وأجلسته على سرير الفحص كاشفًا عن ذراعه لأجد الصدمة، حرق عنيف جدًا بكامل الذراع، والملابس مبتلة، ساعدتني الممرضة كي أنزع عنه ملابسه، يا الله الحرق يصل للصدر وجزء من الساق، أعطي الأوامر بتعليق المحاليل والمسكنات لتهدئة الفتى وأبحث عن أهله أسألهم عن سبب الحرق، لا أحد!، أستغفر الله مستنكرًا ومتعجبًا، وقبل أن أتم جملتي إذا بسيدة حسنة المظهر تدخل من البوابة وهي تتحدث في هاتف محمول، هادئة، بالتأكيد ليست لها علاقة بهذا المسكين، أخرج لأستدعي الأمن ليبحث عن أهل الصبي فيجيبني أحدهم أن هذه السيدة التي تتحدث في الهاتف هي من جاءت معه!، ألتفت للخلف لأجدها قد جلست على أحد الكراسي بينما تستكمل حديثها، بنفس الهدوء العجيب!.. أعود للصبي لأجده مازال يصرخ، بالتأكيد لن تُجدي المسكنات البائسة مع هذا الكم من الحروق، أستدعي نائب جراحة التجميل، بعد دقائق يصل ويكشف على المسكين، مشفقًا يخبرني أن حالته متوسطة لكنه سيحتاج إلى عناية خاصة بأحد المستشفيات المتخصصة في هذه الحالات وإلا ستسوء، عجز الإمكانيات لدينا سيدفع ضريبته هذا المسكين بتشوهات لا تسرّ الناظرين، أين أهله؟ يسألني، أنظر خلفه فيتابع نظراتي نحو السيدة الغامضة التي أشك أنها جاءت معه، وبينما ننظر إليها إذا بها تغلق هاتفها، أخيرًا، وتتحرك نحونا، بنفس الهدوء المستفز، تسألني: طمّني يا دكتور فيه ايه؟، أسألها ماذا حدث؟، تجيبني: معرفش!، أتمالك أعصابي وأخبرها: يا مدام الولد فيه حروق شديدة في ذراعه وجسمه من الدرجة الثانية والثالثة ومحتاج رعاية مركزة في مركز متخصص فورًا تحت متابعة استشاريين تجميل وحروق، ايه اللي حرقه كدة؟ هدومه كانت مبلولة.. مياة سخنة؟، بتحوّل درامي عجيب لا تشاهده إلا ف الأفلام والمسلسلات يرتسم على وجهها علامات الرعب والصدمة، كأنها كانت في عالم آخر منذ لحظات وها قد عادت لعالمنا وواقعنا البائس، ترتبك ولا تجيب، لحظات وتمسك بهاتفها وتخرج مسرعة، أنتظر لثواني فإذا بصوتها المرتفع أسمعه من الخارج تصرخ: بقولك ايه يا ***، قول للبيه أنا مش هشيل مسئوليته أكتر من كدة، وان الولد محتاج عناية وفلوس كثير وانا مش هدفع ولا مليم أكتر من كدة !لحظات من الصمت وأنا أنتظر عودتها.. ولم تعد. بعد نصف ساعة وصل الجد والجدة، ملهوفين باكيين،يسألني الجد عن المطلوب مهما كان الثمن، بينما تحتضن الجدة الصبي باكية، بعد دقائق تم خلالها تجهيز الإسعاف لنقل الحالة وقبيل انصرافهم، يشكرني الجد بحرارة، ثم يختم كلامه متأسفًا عما بدَر منذ قليل من أمّه!... يلتفت منصرفًا مع الإسعاف تاركًا الكلمة يتردد صداها بداخلي مزلزلًا كياني.. أمّه؟.
لو لم تصدق حرفًا مما كتبته، فأسفي عليك وعلى براءتك يا عزيزي
من قرأ الرواية سيفهم جيدًا لماذا تألمت أثناء قراءتها مرة، ثم تألمت بعد هذين الموقفين لقراءتها مرات ومرات، عندما تكتمل الصورة وتربط الأسباب المحتملة بالنتائج، لن تصدق أنه لكي تصنع عالمًا موحشًا عديم الرحمة يسكنه كثير من أشباه البشر كعالمنا هذا، ربما لا يحتاج الأمر لحروب ومجاعات كبرى كما تتوقع، فقط أسرة مفككة مكونة من أبّ غير مسئول..أم مكلومة أوشكت على الجنون من فرط الوجع.. وأبناء مشوهين نفسيًا يكبرون ليعيدوا دورة الحياة... مرحبًا بك على أول عتبات الجنون، أو الجحيم.. أو كليهما؟ لا يهم... حان وقت الصمت.
رغم أنني علقت عند صفحة 260 بعد أسبوعين من البدء فيها، إلا أنها حقًا رواية عظيمة فيما قرأته منها، رسم شخصيات ممتاز وتلاعب متمكن بخطوط السرد، فقط لم يحارغم أنني علقت عند صفحة 260 بعد أسبوعين من البدء فيها، إلا أنها حقًا رواية عظيمة فيما قرأته منها، رسم شخصيات ممتاز وتلاعب متمكن بخطوط السرد، فقط لم يحالفني الحظ والوقت للتركيز معها والحفاظ على خطوط أحداثها باقية في ذاكرتي الهشة المجهدة من ضغط العمل فتاهت تفاصيلها مني مرارًا حتى نسيت أغلب ما قرأته، حزين على تأجيلها لإعادة البدء فيها من جديد وقتما تتاح الفرصة....more
آهٍ يا زيزا وألف آه.. كنتُ أُمنّي نفسي بعمل دافئ مليئ بالحيوية وبراءة الطفولة والخفّة كي أفتتح به قراءات العام الجديد، فلم أجد أفضل من استكمال هذه الر آهٍ يا زيزا وألف آه.. كنتُ أُمنّي نفسي بعمل دافئ مليئ بالحيوية وبراءة الطفولة والخفّة كي أفتتح به قراءات العام الجديد، فلم أجد أفضل من استكمال هذه الرحلة التي مازال جزءها الأول حاضرًا في ذهني، وجرت الأمور كما الجزء الأول طوال الثلاثمائة صفحة الأولى، نعيش خلالها المرحلة الانتقالية بين براءة الطفولة وشيطنات المراهقة وتهورها ومجونها وصولًا لبدايات الشباب، بسهولة اندمجت داخل عالم زيزا من جديد بكامل كياني، وعشت في خياله الخصب الفريد فأخذني معه لعالمه الخاص، عالم آخر يتفنن فيه في خلق شخصيات خيالية تساعده على الهروب من شبح الحزن والوحدة ومن ملل الواقع. وإذا به في آخر مائة صفحة يهبط بي من أعلى سماوات الخيال إلى واقعنا من جديد، فأخذت الأحداث منحنى درامي غير متوقع، واصطبغت الرواية بالواقعية السحرية اللاتينية المحببة للنفس، فحلّ الألم والحزن على فراق الأحبة وضياع الأحلام، رحلت الرقة وحلّ محلها الشجن، وتبخّرت براءة الطفولة وجمال الخيال وحلّ التسليم بسنة الحياة وناموس الكون، التسليم بأن لكل شيء نهاية.. للطفولة نهاية، للبراءة نهاية، للخيال نهاية أما الفراق فما أقبحه من نهاية يا زيزا، ما أقبحه.
في الجزء الأول تعاطفتُ مع زيزا، وفي الجزء الثاني اكتشفت أن زيزا هو أنا وأنتم بشكلٍ ما وانتهى بي المطاف وأنا ألملم شتات نفسي وأتعاطف معها.
في عالم خيالي مستقبلي لا يخلو من ديستوبيا مقبضة، يبلغ الإنسان مرحلة مرعبة من التطور التكنولوجي بقيادة أحد أثرياء الكوكب يٌدعى "لاف ستار"، يتحول فيه ال في عالم خيالي مستقبلي لا يخلو من ديستوبيا مقبضة، يبلغ الإنسان مرحلة مرعبة من التطور التكنولوجي بقيادة أحد أثرياء الكوكب يٌدعى "لاف ستار"، يتحول فيه البشر إلا ما يشبه الآلات، حيث يتم كل شيء عن طريق موجات كهرومغناطيسية تتصل بكهربية العقل البشري، فتجد الموظف يقوم بمهام وظيفته بعقله بينما جسده في أي مكان قد تتخيله، كما يمكنك مشاهدة العالم كله عن طريق عدسة مدمجة بالعين وأنت تجلس في صالة منزلك دون الحاجة لشاشات أو كهرباء أو حتى انترنت؛ يبدو العالم من كلامي هذا وكأنه جنة، وهذه ربما تكون خدعة أخرى من ضمن خدع عديدة ستقع فيها بين صفحات هذه الرواية، وأولها العنوان الحالم الرومانسي، والمربك.
يبلغ الناس مرحلة من الترف لم يسبق لها مثيل، إن تحدثنا عن الحب فهو مسؤولية شركة خاصة تحدد لك وفق أحدث المعايير العلمية الشريك الأمثل لك، أما الموت، فما رأيك لو انطلقت جثتك بعد وفاتك في رحلة نحو الفضاء فتدور في الغلاف الجوي لبضع ساعات ثم تهوي نحو جاذبية الأرض محترقة من قوة الاحتكاك فتصير شهابًا منيرًا في السماء يجذب الأنظار وشهقات الانبهار قبل أن تتفتت لذرات تراب ترقص مع الرياح في كل مكان أو تمتزج مع السحب لتسقط مع قطرات الأمطار في مختلف بقاع الأرض، نهاية شاعرية أفضل بكثير من قبر مظلم ينهشك فيه الديدان أليس كذلك؟. على هذا المنوال تدور الحكاية، الحالمة في بدايتها والتي تظلم تدريجيًا كلما اقتربنا من نهايتها.
تفاصيل العمل مثلها مثل أي عمل فانتازي لا يمكن وصفها بل ستكتشفها بنفسك وأنت تقرأ، سأترك لك المجال لترى كيف يعمل البشر وكيف تم استبدال الأموال وكيف تتم الدعايا للمنتجات وكيف تعمل أنظمة القروض والفوائد في البنوك الجديدة..الخ، سأتركك تكتشف علاقة الحب المربكة التي تناضل ضد جعل الحب ماديًا، سأتركك تشارك مخترع كل هذا التطور وهو يصارع نفسه ومن حوله وهو يرى العالم الحالم الذي خطط له يتحول إلى جنون مطلق، ستنبهر من هذه المخيلة وتلك الرؤية الفلسفية التي وثقها الكاتب ببراعة بين السطور، وستندهش مثلي من هكذا عمل لم يلق الشهرة والانتشار والاهتمام الذي يستحقهم!، ربما لأن الكاتب كان ساذجًا ولم يقحم الجنس الفاحش في كل الصفحات والشذوذ غير المبرر والأفكار الجدلية التي تلتقي كلها بشكل أو بآخر مع معضلة الشر ومنها إلى الإلحاد تحت ستار الفانتازيا والخيال الإبداعي والحرية الفكرية التي يناضل لأجلها الكثير من الكتاب العرب أكثر من الغرب؟، ربما.
Loading...
