صراحةً، قبل أن يظهر هذا الكتاب للنور في معرض الكتاب منذ شهورٍ قليلة وما أثاره من ضجة وحفاوة هنا وهناك، كنتُ أعتقد أن خُط الصعيد هو مجرد حكاية شعبية مل صراحةً، قبل أن يظهر هذا الكتاب للنور في معرض الكتاب منذ شهورٍ قليلة وما أثاره من ضجة وحفاوة هنا وهناك، كنتُ أعتقد أن خُط الصعيد هو مجرد حكاية شعبية مليئة بالمبالغات تحكيها الجدات على المصاطب في ساعة عصاري، لم أهتم يومًا بالبحث عن سيرته أو القراءة عنه، بل ولم أشاهد الأفلام المقتبسة عن حكايته والتى أتى ذكرها في ثنايا هذا الكتاب؛ تمرّ الشهور والكتاب يداعبني بغلافه الجميل والملفت أينما حللتُ، سواء على الموقع هنا أو في زياراتي المتباعدة للمكتبة، وصولًا لتلك اللحظة حين رأيتُ أحد الشباب جالسًا بجواري يلتهم صفحات هذا الكتاب في المواصلات منذ أيام قليلة وكان يبدو عليه أنه منفصل عن عالمنا تمامًا، نزلتُ من المواصلات يومها واشتريت الكتاب فورًا، لأكتشف كتابًا من أمتع ما قرأت وحكاية من أغرب ما يكون، تكاد تكون خيالية في بعض تفاصيلها من فرط عنف وإجرام ودهاء الخُط أمام ضعف الحكومة والشرطة في تلك الحقبة.
المدهش أكثر أن الحكاية هنا لا تكتفي بالجانب الإجرامي من الخُط فقط، بل يبدع صلاح عيسى في كتابة سيرة ذاتية تفصيلية عن الرجل باهتمام لا يحظى به في عالم الكتابة في الغالب سوى عظماء التاريخ!، ماذا كان يأكل وأين يسكن ومن تزوج، يحكي عن عشيقاته، ماذا يلبس وكيف وأين ينام، عن حبه لمشروب الزبيب، وتدينه المتناقض مع إجرامه!، عن مكانته وسط أبناء الليل وعصابات الصعيد المتعددة، وعن أمه التي تلاعبت بجهاز الشرطة كله في مشاهد أضحكتني من شدة مكرها..
وكأنها رواية لا كتاب توثيقي عن مجرم شهير، رواية مليئة بالشخصيات والصراعات النفسية والعاطفية والصدمات والالتواءات مع قدر لا بأس به من الإثارة والتشويق. كتاب فائق المتعة وجدتُ فيه لذة خاصة ذكرتني بحرافيش نجيب محفوظ، حكاية رغم سوداويتها وقتامتها وما بها من سفك دم وإجرام، إلا أن الطريقة التي كُتبت بها من جمالها ستجعلك تندم على كل هذه السنوات التي مرّت عليك في عالم القراءة ولم تقرأ بعد لصلاح عيسى.
أجمل أجزاء الثلاثية من حيث الدراما والحبكة وحتى الرسم وتفاصيله، كل من سيقرأها سيلاحظ التطورالمذهل الذي حدث مع كل جزء، مما يدفعني لانتظار مشاريع أخرى ق أجمل أجزاء الثلاثية من حيث الدراما والحبكة وحتى الرسم وتفاصيله، كل من سيقرأها سيلاحظ التطورالمذهل الذي حدث مع كل جزء، مما يدفعني لانتظار مشاريع أخرى قادمة تضاهيها في الروعة أو تزيد حقيقي ممتن لدينا محمد يحيى على هذه الجرعة المكثفة من اللطافة والجمال التي قلّما يجود علينا الزمان بها، من أجمل اكتشافات العام بكل تأكيد. ...more
لم أقرأ منذ سنوات قصصًا بهذا الجمال، بل لم أقرأ منذ سنوات قصصًا قصيرة أساسًا نظرًا لافتقادي لمن يكتبها كما يجب أن تكون. منذ بدايات القراءة وأنا ألمح ا لم أقرأ منذ سنوات قصصًا بهذا الجمال، بل لم أقرأ منذ سنوات قصصًا قصيرة أساسًا نظرًا لافتقادي لمن يكتبها كما يجب أن تكون. منذ بدايات القراءة وأنا ألمح اسم د.محمد المخزنجي هنا وهناك كواحد من رواد القصة القصيرة في عصرنا الحالي إن لم يكن هو رائدها، ولا أدري السبب الذي جعل كتاباته خارج نطاق اهتماماتي كل هذا الوقت، لذا أنا ممتن لهذه المجموعة بشدة التي أسرتني بغلافها وعنوانها من النظرة الأولى، أبهرتني قدرة المخزنجي الفريدة على اقتناص المشاهد البسيطة ليصنع منها أساسات لقصص شديدة الجمال، ومهارته في استغلال تخصصه في الطب النفسي كمدخل لسبر أغوار نفوس شخصيات قصصه، ومزجه لشذرات من روحه وسيرته الذاتيه بين سطور الحكايات مما أكسبها لمسة من الشفافية قلّما أجدها، كل هذا مغلف بأسلوب سرد ممتع ووصف في منتهى الجمال، ليكون اللقاء في مجمله من أمتع ما يكون، وتستحق بكل جدارة أن تكون من أجمل المجموعات القصصية التي قرأتها في حياتي.
لم أتخيل أن يكون اللقاء الأول لي مع هذا القلم الروسي البديع بهذا الجمال، جمال مرعب، قدرة فائقة على الغوص داخل أعمال نفسٍ بشرية تحتضر وتتألم في أيامها لم أتخيل أن يكون اللقاء الأول لي مع هذا القلم الروسي البديع بهذا الجمال، جمال مرعب، قدرة فائقة على الغوص داخل أعمال نفسٍ بشرية تحتضر وتتألم في أيامها الأخيرة نجحت في بث الألم داخل ثنايا روحي. لطالما كان الاحتضار هو أكبر مخاوفي خصوصًا كوني طبيب أرى الموت يقتنص المرضى أمامي شبه يوميًا كلٌ في ميقات معلوم، لكن الاحتضار والموت البطئ أصعب بمراحل، أتسائل دائمًا كيف يشعر المحتضر؟ وفيم يفكر؟، هل يعي كذبنا ونحن نحاول طمأنته لنخفف عنه رغم فقداننا لأي أمل في الشفاء اللهم إلا بمعجزة؟، هل يتألم لتألم أحبائه؟، هل يراجع حساباته ويطلب الرضا والسماح ممن حوله أم يصب غضبه وحنقه على الدنيا كلها؟، والأصعب والأمرّ هو إحساس الطبيب بالعجز أمام هكذا مريض يحتضر لا تستطيع أن تفعل له أكثر من تخفيف الألم ومساعدته في الغياب عن الوعي لساعات هربًا من جحيم الوجع في أيامه الأخير؛ كابوس يهرب منه كل طبيب، ومع ذلك، مهما هربنا، يظل حقيقة راسخة من حقائق الكون تأبى أن تفارقنا.
أقول دائمًا أن كثرة التعرض للألم يعين المرء على تحمل آلام جديد بفضل نعمة الاعتياد، وأن هناك شعرة بين اعتياد الأمل الصحي اللازم لاستمرار الحياة وبين تبلّد المشاعر، ربما نجح تولستوي في مساعدتي على اعتياد هذا العجز والألم بهذه الرحلة القصيرة البديعة، لكنه تركني فريسة لسؤالٍ جديد سيطاردني لسنوات: تُرى كم سأتحمل من الألم ومن الفراق؟، وهل سأنجح في النجاة من فخ تبلد المشاعر مع كثرة ما أختبره من آلام؟
آهٍ يا زيزا وألف آه.. كنتُ أُمنّي نفسي بعمل دافئ مليئ بالحيوية وبراءة الطفولة والخفّة كي أفتتح به قراءات العام الجديد، فلم أجد أفضل من استكمال هذه الر آهٍ يا زيزا وألف آه.. كنتُ أُمنّي نفسي بعمل دافئ مليئ بالحيوية وبراءة الطفولة والخفّة كي أفتتح به قراءات العام الجديد، فلم أجد أفضل من استكمال هذه الرحلة التي مازال جزءها الأول حاضرًا في ذهني، وجرت الأمور كما الجزء الأول طوال الثلاثمائة صفحة الأولى، نعيش خلالها المرحلة الانتقالية بين براءة الطفولة وشيطنات المراهقة وتهورها ومجونها وصولًا لبدايات الشباب، بسهولة اندمجت داخل عالم زيزا من جديد بكامل كياني، وعشت في خياله الخصب الفريد فأخذني معه لعالمه الخاص، عالم آخر يتفنن فيه في خلق شخصيات خيالية تساعده على الهروب من شبح الحزن والوحدة ومن ملل الواقع. وإذا به في آخر مائة صفحة يهبط بي من أعلى سماوات الخيال إلى واقعنا من جديد، فأخذت الأحداث منحنى درامي غير متوقع، واصطبغت الرواية بالواقعية السحرية اللاتينية المحببة للنفس، فحلّ الألم والحزن على فراق الأحبة وضياع الأحلام، رحلت الرقة وحلّ محلها الشجن، وتبخّرت براءة الطفولة وجمال الخيال وحلّ التسليم بسنة الحياة وناموس الكون، التسليم بأن لكل شيء نهاية.. للطفولة نهاية، للبراءة نهاية، للخيال نهاية أما الفراق فما أقبحه من نهاية يا زيزا، ما أقبحه.
في الجزء الأول تعاطفتُ مع زيزا، وفي الجزء الثاني اكتشفت أن زيزا هو أنا وأنتم بشكلٍ ما وانتهى بي المطاف وأنا ألملم شتات نفسي وأتعاطف معها.
في عالم خيالي مستقبلي لا يخلو من ديستوبيا مقبضة، يبلغ الإنسان مرحلة مرعبة من التطور التكنولوجي بقيادة أحد أثرياء الكوكب يٌدعى "لاف ستار"، يتحول فيه ال في عالم خيالي مستقبلي لا يخلو من ديستوبيا مقبضة، يبلغ الإنسان مرحلة مرعبة من التطور التكنولوجي بقيادة أحد أثرياء الكوكب يٌدعى "لاف ستار"، يتحول فيه البشر إلا ما يشبه الآلات، حيث يتم كل شيء عن طريق موجات كهرومغناطيسية تتصل بكهربية العقل البشري، فتجد الموظف يقوم بمهام وظيفته بعقله بينما جسده في أي مكان قد تتخيله، كما يمكنك مشاهدة العالم كله عن طريق عدسة مدمجة بالعين وأنت تجلس في صالة منزلك دون الحاجة لشاشات أو كهرباء أو حتى انترنت؛ يبدو العالم من كلامي هذا وكأنه جنة، وهذه ربما تكون خدعة أخرى من ضمن خدع عديدة ستقع فيها بين صفحات هذه الرواية، وأولها العنوان الحالم الرومانسي، والمربك.
يبلغ الناس مرحلة من الترف لم يسبق لها مثيل، إن تحدثنا عن الحب فهو مسؤولية شركة خاصة تحدد لك وفق أحدث المعايير العلمية الشريك الأمثل لك، أما الموت، فما رأيك لو انطلقت جثتك بعد وفاتك في رحلة نحو الفضاء فتدور في الغلاف الجوي لبضع ساعات ثم تهوي نحو جاذبية الأرض محترقة من قوة الاحتكاك فتصير شهابًا منيرًا في السماء يجذب الأنظار وشهقات الانبهار قبل أن تتفتت لذرات تراب ترقص مع الرياح في كل مكان أو تمتزج مع السحب لتسقط مع قطرات الأمطار في مختلف بقاع الأرض، نهاية شاعرية أفضل بكثير من قبر مظلم ينهشك فيه الديدان أليس كذلك؟. على هذا المنوال تدور الحكاية، الحالمة في بدايتها والتي تظلم تدريجيًا كلما اقتربنا من نهايتها.
تفاصيل العمل مثلها مثل أي عمل فانتازي لا يمكن وصفها بل ستكتشفها بنفسك وأنت تقرأ، سأترك لك المجال لترى كيف يعمل البشر وكيف تم استبدال الأموال وكيف تتم الدعايا للمنتجات وكيف تعمل أنظمة القروض والفوائد في البنوك الجديدة..الخ، سأتركك تكتشف علاقة الحب المربكة التي تناضل ضد جعل الحب ماديًا، سأتركك تشارك مخترع كل هذا التطور وهو يصارع نفسه ومن حوله وهو يرى العالم الحالم الذي خطط له يتحول إلى جنون مطلق، ستنبهر من هذه المخيلة وتلك الرؤية الفلسفية التي وثقها الكاتب ببراعة بين السطور، وستندهش مثلي من هكذا عمل لم يلق الشهرة والانتشار والاهتمام الذي يستحقهم!، ربما لأن الكاتب كان ساذجًا ولم يقحم الجنس الفاحش في كل الصفحات والشذوذ غير المبرر والأفكار الجدلية التي تلتقي كلها بشكل أو بآخر مع معضلة الشر ومنها إلى الإلحاد تحت ستار الفانتازيا والخيال الإبداعي والحرية الفكرية التي يناضل لأجلها الكثير من الكتاب العرب أكثر من الغرب؟، ربما.
في يوم وليلة، تنقلب حياة الكاتبة والمعالجة النفسية لوري غوتليب رأسًا على عقب إثر تعرضها لتجربة نفسية سيئة بانفصالها عن زوجها المنتظر لسببٍ تراه تافهًا في يوم وليلة، تنقلب حياة الكاتبة والمعالجة النفسية لوري غوتليب رأسًا على عقب إثر تعرضها لتجربة نفسية سيئة بانفصالها عن زوجها المنتظر لسببٍ تراه تافهًا ومستفزًا، فجأة، تتحول المعالجة النفسية التي يُفترض أنها على دراية وخبرة بالنفس البشرية إلى إنسانة عادية، هشّة، مُحبطة، حانقة، غاضبة من نفسها ومن العالم، ومن منا لا يغضب ويثور على العالم مع كل خيبة أمل تصفعنا على وجوهنا فجأة؟، تبحث المعالجة النفسية عن مساعدة طبيب نفسي زميل يساعدها، يقودها القدر إلى الطبيب "ويندل"، ومع اللقاء الأول تبدأ الرحلة، رحلة تشريح النفس البشرية، بصراعاتها وتعقيداتها، يساعدها على إعادة النظر في حياتها بكل تفاصيلها وجوانبها النفسية والإجتماعية والمهنية وصولًا إلى العاطفية، والتي تتشابه وتتقاطع مع حياتي وحياة كل قارئ سيقرأ هذا الكتاب، ليصير العنوان الفرعي للكتاب خير مُعبّر عن محتواه: معالج نفسي، وحياتنا كما يكتشفها.
تمزج الكاتبة قصتها مع حكاياتٍ أخرى لمرضاها – أو عملاءها حسب وصفها – وتشمل أربع شخصيات رئيسية بأربع مراحل عمرية مختلفة، الأولى سيدة مسنة تشعر بالوحدة وتبحث عن رفيقٍ تقضي معه سنواتها الأخيرة بعدما فارقها الأبناء، والثانية أنثى شابة في أوائل العشرينات تخوض حربًا مع مشاعرها تجاه الجنس الآخر بحثًا عن حبيب مناسب بالتزامن مع حربها مع إدمان الكحول، أما الثالثة فهي مريضة بالسرطان في مرحلة متأخرة تبحث عن مساعدة لجعل روحها أكثر خفة ولمحو غضبها من العالم قبل أن تفارقه بحثًا عن السكينة في العالم الآخر، وآخرهم عميل متزوج ناجح مهنيًا يبحث عن سعادته وسط مجتمع من الأغبياء. كل حكاية بتاريخ مختلف وصراعات نفسية مختلفة، مزيج مبهر يلخص النفس البشرية وما تخوضه من صراعات في مختلف مراحل العمر ومختلف الحالات الاجتماعية والصحية، وهذه أولى علامات التميز في هذا الكتاب البديع.
تتضافر الحكايات وتتشابك، عبر فصول قصيرة سريعة فائقة المتعة نتنقل بين الحكايات الخمس وكأن الكتاب تحول إلى رواية متعددة الفصول، العبقرية في هذا الكتاب تتمثل في تلقائيته وصراحته المتناهية، لذا نجحت الحكايات المعروضة والحوارات والأسئلة المطروحة للنقاش بين الكاتبة ومعالجها أو بين الكاتبة ومرضاها في أن تلمسني ببراعة وتجعلني جزءًا من الكتاب لا مجرد قارئ يقرأ حكايات لينساها غدًا أو بعد غد.
هذا كتاب شافٍ، ينكأ جراحك وخيبات أملك ويساعدك على فك شفرة أكثر الأمور النفسية تعقيدًا في حياتك، يعالج شروخ علاقاتك بمن حولك: بوالديك، بزوجتك، أو أبناءك، وعلى رأسهم علاقتك بنفسك، فمن منا لم يتحامل على روحه ويُدميها وينهك نفسه بنفسه؟، من منا لم يعاني من علاقة سامة جعلته يكره ذاته ويستشعر الضعف فيها رغم أنه لا بأس به؟، من منا لم يصرخ في عجز: رباه متى ينتهي كل هذا الألم؟.
هذا الكتاب يغوص في أكثر المناطق النفسية غموضًا وحساسيةً وأشدها عتمة، يكشف الستار عنها ويضمد جراحنا، ستشعر في مواضع عديدة بإحساس مزعج ومربك، ومن لا ينزعج ويتألم بينما يعالج الجراح جرحًا متقيحًا مهملًا ويفرغه من الصديد؟، لكنه الانزعاج الذي يسبق الراحة والسكينة، والتصالح مع الذات بعد إعادة اكتشافها وفهمها.
إذا كنتَ مٌحبطًا، مكتئبًا، غاضبًا، فإليك نصيحة بسيطة: لا تخض حروبك -وخصوصًا النفسية- وحدك يا صديقي، ليس عيبًا أن تستمد قوتك ممّن حولك، ممّن يحبونك ويهتمون لأمرك، ليس صحيحًا ما تراه عن نفسك، لستَ منبوذًا ولا مكروهًا، أنتَ منهك، تحتاج فقط لالتقاط الأنفاس وإعادة حساباتك، تحتاج للتوقف لحظة، أرِح نفسك وجسدك وعقلك فلا يوجد على وجه الأرض ماكينة تعمل للأبد بلا راحة، رفقًا بنفسك يا صديقي، رفقًا بها، وتذكر دائمًا، أنه مهما خذلك الناس لن تخذلك القراءة.
ربما هناك حل أخير ستجده بين صفحات هذا الكتاب، ربما عليك فقط، أن تكلم أحدًا.
رواية من أعماق الوجع والقهر، تحوي بين صفحاتها مزيج مرعب من المآسي التي تعيشها نساء أفغانستان منذ عقود وحتى يومنا هذا. عبر خطين متوازيين للأحداث بين ال رواية من أعماق الوجع والقهر، تحوي بين صفحاتها مزيج مرعب من المآسي التي تعيشها نساء أفغانستان منذ عقود وحتى يومنا هذا. عبر خطين متوازيين للأحداث بين الماضي والحاضر تسرد الكاتبة وتعيد على مسامعنا صرخات نساء تجري المعاناة في عروقهن، تحكي عن جحيم أفغاني مُستعر يبتلع الآلاف من أحلام النساء اللاتي لم يطلبن أكثر من مجرد حياة حرة كريمة، جحيم يبدأ من احتقار إنجاب الإناث، ومنع تعليمهن، وحظر خروجهن من بيوتهن إلا نادرًا، ثم زواجهن قاصرات، ليبدأ فصل ثاني من الجحيم بالعنف الأسري، واعتداءات الأزواج والحموات، وإجبارهن على الحمل والرضاعة مرارًا قبل أن يتجاوزن العشرين عامًا!. وسط كل هذا هناك من تحلم بزوجٍ مُحب يتجلّى حبه بالنسبة لها في مجرد عدم إهانتها وإنتهاكها، أن يتركها تنام هانئة دون أن تتألم عظامها من الوجع أو معدتها من الجوع إلى طعامٍ لا تهنأ بتذوقه، هناك من تنتظر موعد دورتها الشهرية بفارغ الصبر فقط لترتاح لأيام من زوجها الأكبر بعقود واغتصاباته شبه اليومية تحت ستار الزواج، وهناك من تحلم بمولود ذكر فقط لتأخذ راحة من الحمل وتقطع سلسلة خيبات الأمل بإنجاب الإناث، أحلامهن كابوس في حد ذاته، وكأنهن بالفعل لآلئ محبوسة في المحار ومدفونة تحت أطنان من العجز وخيبات الأمل.
وسط كل هذا الظلام، وكعادة أي حكاية مهما طال ألمها وتعددت مآسيها، تنمو براعم الحب لتخفف من شدة النكبة، كحُب الأم لإبنٍ لن يعيش مآسيها، أو حبها لضُرة تشاركها الزوج وتعين كل منهما الأخرى على تحمّل مرارة الأيام، أو حُب خالةٍ لبنات أختٍ مُسْتَضعَفة فرقتهم الأعراف البالية ولم يجدوا العزاء سوى في سحر الحكايات، تمامًا كهذه الحكاية، رغم كل القهر والوجع بقى الأمل في الحرية قائمًا، رغم الظلام أتى بصيص من النور تشبثت به بطلت حكايتنا، رحيمة/شكيبة، المحاربة التي صمدت رغم كل الانكسارات، حاربت لأجل حريتها، لم يهدأ لتلك اللؤلؤة المحاربة بالًا حتى كسرت محارتها، وخلال رحلتها انكسر قلبي لها ألف مرة ومرة.
ماذا لو كان بالإمكان إيقاف الزمن عبر تابوتٍ سحريّ ترقد فيه متجمدًا عند لحظةٍ ما بينما يمر الوقت بالخارج؟ لديك مشاكل في العمل؟، حياتك الزوجية ليست مستق ماذا لو كان بالإمكان إيقاف الزمن عبر تابوتٍ سحريّ ترقد فيه متجمدًا عند لحظةٍ ما بينما يمر الوقت بالخارج؟ لديك مشاكل في العمل؟، حياتك الزوجية ليست مستقرة؟، تعبت من ضغوط المجتمع؟، العالم ينهار اقتصاديًا؟، الحرب العالمية الثالثة على وشك البدء؟، أسوأ كوابيسك يحدث على أرض الواقع؟، لا بأس يا صديقي، ارقد بسلام داخل تابوت الزمن وانتظر مرور السنوات خارجه حتى تزول الغمّة ثم تخرج لتستكمل حياتك كاملة غير منقوصة، اللهم إلا لحظة خاطفة لا تكاد تشعر بها هي الفرق بين لحظة إغلاقك للتابوت على نفسك ولحظة فتحه من جديد بعد شهر، سنة ، قرن، أو ألف عام.
يستيقظ الأطفال في يومٍ من الأيام ليجدوا أنفسهم في عالمٍ منهار، حيث الاختفاء شبه التام للبشر، الشوارع تعمّها الفوضى، البيوت تسكنها الحيوانات والطيور وتغطيها الأشجار والنباتات، الطبيعة تنتعش وتفرض سيطرتها من جديد بعد قرونٍ من الدمار والتلوث بسبب البشر. مرحبًا بك في عالم ما بعد الكارثة، عالم يرقد فيه الناس جميعًا داخل توابيت الزمن هربًا من انهيار العالم وانتظارًا لمرور الكبوة، لكنهم بهروبهم أتاحوا للكارثة أن تتفاقم أكثر وأكثر، فالهروب من الأزمة لم يكن حلًا على مر العصور.
ثمّة حكاية أخرى تُسرد بالتوازي مع ديستوبيا الواقع، حكاية من ألف ليلة وليلة نسافر معها عبر الماضي لنستكشف سرّ تابوت الزمن ومن بدأوا اللعنة، فتتضافر الحكاياتان وتتشابك الأحداث بين الماضي والحاضر لتتشكل رواية فانتازيا بديعة وفريدة لا تخلو من إسقاطات ورسائل ذكية عن حماقة الإنسان الأبدية وغروره الذي أوهمه بالقدرة على الانتصار على الزمن. رغم كل ما ذكرته، فالرواية بها حسّ طفولي مميز نجح في كسر قتامة أجواء الديستوبيا المسيطرة على أحداثها، ستخطفك براءة الأطفال وخفة أرواحهم من اللحظة الأولى وتدفعك لالتهام صفحاتها بنهمٍ عجيب، وكأن الفترة ما بين صفحتي البداية والنهاية كانت لحظة خاطفة مرّت عليّ وانا أرقد داخل إحدى توابيت الزمن. واحدة من أجمل قراءات العام، ولقاء ثاني ممتع مع كاتب سأنتظر ما يُترجم له مستقبلًا على أحرّ من الجمر.
أغلق الرواية، أبحث عن نسمة هواء تعيد إليّ الحياة، أتسائل:هل كنتُ ميتًا منذ لحظات؟، بالتأكيد لا، هناك قلب ينبض بسرعة كالمحموم بين ضلوعي ودموع ساخنة تله أغلق الرواية، أبحث عن نسمة هواء تعيد إليّ الحياة، أتسائل:هل كنتُ ميتًا منذ لحظات؟، بالتأكيد لا، هناك قلب ينبض بسرعة كالمحموم بين ضلوعي ودموع ساخنة تلهب وجنتيّ هما أسمى علامات الحياة، أنا حيّ، أصبحتُ حيًا من جديد بعد قراءة هذه الرواية.
كيف ترى الموت؟، هل هو ذلك الشبح الأسود ذو المنجل الذي يحصد الأرواح بلا كلل ولا ملل كلٌ في ميعاده؟، أم كيان غامض مثقل بصرخات وأوجاع وحكايات الأرواح؟، هل تخيلت يومًا الموت يروي لك قصة؟، تخاف؟، ألا أخبرك أن عالمنا هذا هو الخوف ذاته؟ بحروبه وظلمه، بوأده للأحلام، بقتله للبراءة والحب، ألا ترى معي أن الموت في نهاية المطاف ليس بهذا القبح؟. فقط أعطِ نفسك مهلة وسلّم نفسك للموت يروي لك العجب، سيأخذك في رحلة قصيرة يروي لك قصة ستجعلك تعيد الحسابات وتعيد النظر في معناه ومعنى الحياة، وستحتار في نهايتها أيهما تحب حقًا؟.
ما هي قيمة الكلمات إذا وقفتْ عاجزة عن وصف ما يعتمل داخل صدورنا أثناء وبعد الانتهاء من هكذا عمل؟، وما جدوى الدموع إذا لم تبرد نارًا مشتعلة في قلوبنا؟، كيف نبكي ونتألم على أبطال سكنوا الخيال، هل نبكيهم حقًا أم نبكي أنفسنا؟، نبكي أحلامنا الضائعة ونفوسنا الهشة؟، نبكي إنسانيتنا وبراءتنا؟، نبكي قلوبًا اكتشفنا فجأة أنها تحولت لقطعة لحم جافة أنهكها مضغ الحياة وصارت تأنفها الكلاب؟.
أستيقظ اليوم بعد أربع ساعات من النوم المتقطع عقب الانتهاء من الرحلة، زارني خلالها أبطال هذه الرواية، عشتها بتفاصيلها مرة تلو الأخرى في حلمٍ متكررٍ يأبى أن يفارقني حتى بعدما استقيظت، أستشعر طيفًا مجهولًا يسكن غرفتي، هل هو الموت؟، ربما مازلت ترتجف عند ذكره، لكن صدقني بمجرد قراءة هذه الرواية ستزول عنه الرهبة، ستشفق عليه، وستراه صديقًا يزورك من وقتٍ لآخر ليؤنس وحشتك، أو ربما، ليشفق على قلبك الطيب وروحك الصافية أمام وحشة هذا العالم، في جعبته ملايين الحكايات تنتظر لحظة اللقاء كي يرويها لك، ولكن قبل أن تلقاه ذلك الللقاء المحتوم، ما رأيك لو قرأت واحدة منها الآن، وأنت ميت على قيد الحياة؟، فربما ينبض قلبك من جديد، وتذوق طعم الحياة من جديد، وتعينك هذه الحكاية على ما تبقى منها.
عمل ملحمي فلسفي شديد التفرد والعبقرية والجمال، ينضم لقائمة الأعمال التي وددتُ لو قرأتها في وقتٍ أفضل كي يتسع المجال للحديث عنها والكتابة كما ينبغي، وإ عمل ملحمي فلسفي شديد التفرد والعبقرية والجمال، ينضم لقائمة الأعمال التي وددتُ لو قرأتها في وقتٍ أفضل كي يتسع المجال للحديث عنها والكتابة كما ينبغي، وإلى أن أقرأ الجزء الثالث والأخير من هذه الرحلة متمنيًا أن تتحسن الظروف ويتسع الوقت حينها كي أحكي الكثير.. أقول أن هذه الرواية وهذه الثلاثية بوجه عام هي واحدة من أغرب وأعظم وأجمل الأعمال الروائية التي قرأتها في حياتي على الإطلاق.. ! وكفى.
قرأتُ أعمال عبد الله البصيّص بترتيب صدورها، في "ذكريات ضالة" كان الانبهار الأول بقلم شاب رصين وواعد، فكان الحديث عن مواطن الجمال في مراجعتي عنها طويلً قرأتُ أعمال عبد الله البصيّص بترتيب صدورها، في "ذكريات ضالة" كان الانبهار الأول بقلم شاب رصين وواعد، فكان الحديث عن مواطن الجمال في مراجعتي عنها طويلًا؛ ومع "طعم الذئب" زاد جمال قلمه وتفوق على نفسه في السرد فضاقت مساحتي للتعبير وكان أن عجزت نسبيًا عن الكلام بطلاقة ووصف ما يعتمل بداخلي تجاهها كما ينبغى، فجاءت مراجعتي عنها أكثر إيجازًا.
أما هنا، فيا الله على ما يوجد هنا يا سادة، عبد الله البصيص ضرب سقف التوقعات واعتلى قمة منحنى إبداعه فغرّد وأبدّع على قيثارة اللغة معزوفة أدبية من طراز بديع، يا الله ما هذا الجمال؟، أيّ لغة وأيّ سرد وأيّ سحر تملّك هذا القلم ليخلب عقلي ويشجي قلبي بهذه النشوة؟. هكذا تسير الأمور دائمًا مع الأعمال العظيمة، عظمتها تلجمك وتفقدك النطق فتتكلم بعبث، لا تعرف كيف تتحدث عن القصة والسرد والشخصيات والتلاعب بخيوط الحبكة، ومزج الخيال بالواقع والإثارة بالدراما والتاريخ بالحاضر، كيف تصف مزيج الحب والحرب وبراءة الطفولة مع قسوة الجريمة، أو كيف تتغزل في شخصية بعينها دون أن يخونك الوصف، فتكتب بلا نسق ولا ترتيب لتخرج كلماتك عشوائية انفعالية كتلك التي أكتبها، وهذا والله شعور لا يقدّره إلا من ذاقه.
أسجل كلماتي تلك فقط لتوثيق هذه اللحظة فور إغلاق الرواية، هذه النشوة، وهذا الإنفعال وضربات القلب المضطربة وفوران الدماء في عقلي إرتباكًا وسعادًة وصدمةً من النهاية، ربما تهدأ هذه الإنفعالات فيما بعد فأرى ما يمكن كتابته، وربما لا أفعل وتظل هذه السطور هنا كأفضل دليل على أن عبد الله البصيّص قد وصل إلى منطقة الكتابة التي تفقد القارئ القدرة على وصف بهائها، وكأنه أمامها لم يعرف معنى الحروف يومًا.
Loading...
